فصل: حُكْمُ الْمَنْعِ مِنْ الدّخُولِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَائِدَةُ تَكْرَارِ سَقْيِ الْعَسَلِ:

وَفِي تَكْرَارِ سَقْيِهِ الْعَسَلَ مَعْنًى طِبّيّ بَدِيعٌ وَهُوَ أَنّ الدّوَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ وَكَمّيّةٌ بِحَسْبِ حَالِ الدّاءِ إنْ قَصِرَ عَنْهُ لَمْ يُزِلْهُ بِالْكُلّيّةِ وَإِنْ جَاوَزَهُ. أَوْهَى الْقُوَى فَأَحْدَثَ ضَرَرًا آخَرَ فَلَمّا أَمَرَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ الْعَسَلَ سَقَاهُ مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدّاءِ وَلَا يَبْلُغُ الْغَرَضَ فَلَمّا أَخْبَرَهُ عَلِمَ أَنّ الّذِي سَقَاهُ لَا يَبْلُغُ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ فَلَمّا تَكَرّرَ تَرْدَادُهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكّدَ عَلَيْهِ الْمُعَاوَدَةَ لِيَصِلَ إلَى الْمِقْدَارِ الْمُقَاوِمِ لِلدّاءِ فَلَمّا تَكَرّرَتْ الشّرَبَاتُ بِحَسْبِ مَادّةِ الدّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللّهِ وَاعْتِبَارُ مَقَادِيرِ الْأَدْوِيَةِ وَكَيْفِيّاتِهَا وَمِقْدَارِ قُوّةِ الْمَرَضِ مَرَضٌ مِنْ أَكْبَرِ قَوَاعِدِ الطّبّ.

.مَعْنَى صَدَقَ اللّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك:

وَفِي قَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ اللّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك إشَارَةً إلَى تَحْقِيقِ نَفْعِ هَذَا الدّوَاءِ وَأَنّ بَقَاءَ الدّاءِ لَيْسَ لِقُصُورِ الدّوَاءِ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ لِكَذِبِ الْبَطْنِ وَكَثْرَةِ الْمَادّةِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ فَأَمَرَهُ بِتَكْرَارِ الدّوَاءِ لِكَثْرَةِ الْمَادّةِ. وَلَيْسَ طِبّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَطِبّ الْأَطِبّاءِ فَإِنّ طِبّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُتَيَقّنٌ قَطْعِيّ إلَهِيّ صَادِرٌ عَنْ الْوَحْيِ وَمِشْكَاةِ النّبُوّةِ وَكَمَالِ الْعَقْلِ. وَطِبّ غَيْرِهِ أَكْثَرُهُ حَدْسٌ وَظُنُونٌ وَتَجَارِبُ وَلَا يُنْكَرُ عَدَمُ انْتِفَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَرْضَى بِطِبّ النّبُوّةِ فَإِنّهُ إنّمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ تَلَقّاهُ بِالْقَبُولِ وَاعْتِقَادِ الشّفَاءِ بِهِ وَكَمَالِ التّلَقّي لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ فَهَذَا الْقُرْآنُ الّذِي هُوَ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ- إنْ لَمْ يُتَلَقّ هَذَا التّلَقّي- لَمْ يَحْصُلْ بِهِ شِفَاءُ الصّدُورِ مِنْ أَدْوَائِهَا بَلْ لَا يَزِيدُ الْمُنَافِقِينَ إلّا رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ وَمَرَضًا إلَى مَرَضِهِمْ وَأَيْنَ يَقَعُ طِبّ الْأَبْدَانِ مِنْهُ فَطِبّ النّبُوّةِ لَا يُنَاسِبُ إلّا الْأَبْدَانَ الطّيّبَةَ كَمَا أَنّ شِفَاءَ الْقُرْآنِ لَا يُنَاسِبُ إلّا الْأَرْوَاحَ الطّيّبَةَ وَالْقُلُوبَ الْحَيّةَ فَإِعْرَاضُ النّاسِ عَنْ طِبّ النّبُوّةِ كَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ الِاسْتِشْفَاءِ بِالْقُرْآنِ الّذِي هُوَ الشّفَاءُ النّافِعُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِقُصُورٍ فِي الدّوَاءِ وَلَكِنْ لِخُبْثِ الطّبِيعَةِ وَفَسَادِ الْمَحَلّ وَعَدَمِ قَبُولِهِ وَاللّهُ الْمُوَفّقُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ أَنّ الْعَسَلَ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنّاسِ:

وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنّاسِ} [النّحْلُ 69] هَلْ الضّمِيرُ فِي فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الشّرَابِ أَوْ رَاجِعٌ إلَى الْقُرْآنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ الصّحِيحُ رُجُوعُهُ إلَى الشّرَابِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْأَكْثَرِينَ فَإِنّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ وَالْكَلَامُ سِيقَ لَأَجْلِهِ وَلَا ذِكْرَ لِلْقُرْآنِ فِي الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَدَقَ اللّهُ كَالصّرِيحِ فِيهِ وَاللّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الطّاعُونِ وَعِلَاجِهِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ:

فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الطّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الطّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَعَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَيْضًا: عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الطّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ.

.مَا هُوَ الطّاعُونُ:

الطّاعُونُ- مِنْ حَيْثُ اللّغَةِ- نَوْعٌ مِنْ الْوَبَاءِ قَالَهُ صَاحِبُ الصّحَاحِ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الطّبّ: وَرَمٌ رَدِيءٌ قَتّالٌ يَخْرُجُ مَعَهُ تَلَهّبٌ شَدِيدٌ مُؤْلِمٌ جِدّا يَتَجَاوَزُ الْمِقْدَارَ فِي ذَلِكَ وَيَصِيرُ مَا حَوْلَهُ فِي الْأَكْثَرِ أَسْوَدَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ أَكْمَدَ وَيَئُولُ أَمْرُهُ إلَى التّقَرّحِ سَرِيعًا. وَفِي الْأَكْثَرِ يَحْدُثُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْإِبْطِ وَخَلْفَ الْأُذُنِ وَالْأَرْنَبَةِ وَفِي اللّحُومِ الرّخْوَةِ. وَفِي أَثَرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الطّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطّاعُونُ؟ قَالَ غُدّةٌ كَغُدّةِ الْبَعِيرِ يَخْرُجُ فِي الْمَرَاقّ وَالْإِبْط قَالَ الْأَطِبّاءُ إذَا وَقَعَ الْخَرّاجُ فِي اللّحُومِ الرّخْوَةِ وَالْمَغَابِنِ وَخَلْفَ الْأُذُنِ وَالْأَرْنَبَةِ وَكَانَ مِنْ جِنْسٍ فَاسِدٍ سُمّيَ طَاعُونًا وَسَبَبُهُ دَمٌ رَدِيءٌ مَائِلٌ إلَى الْعُفُونَةِ وَالْفَسَادِ مُسْتَحِيلٌ إلَى جَوْهَرٍ سُمِيّ يُفْسِدُ الْعُضْوَ وَيُغَيّرُ مَا يَلِيهِ وَرُبّمَا رَشَحَ دَمًا وَصَدِيدًا وَيُؤَدّي إلَى الْقَلْبِ كَيْفِيّة رَدِيئَة فَيَحْدُثُ الْقَيْءُ وَالْخَفَقَانُ وَالْغَشْيُ وَهَذَا الِاسْمُ وَإِنْ كَانَ يَعُمّ كُلّ وَرَمٍ يُؤَدّي إلَى الْقَلْبِ كَيْفِيّة رَدِيئَة حَتّى يَصِيرَ لِذَلِكَ قَتّالًا فَإِنّهُ يَخْتَصّ بِهِ الْحَادِثُ فِي اللّحْمِ الْغُدَدِيّ لِأَنّهُ لِرَدَاءَتِهِ لَا يَقْبَلُهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلّا مَا كَانَ أَضْعَفَ بِالطّبْعِ وَأَرْدَؤُهُ مَا حَدَثَ فِي الْإِبِطِ وَخَلْفَ الْأُذُنِ لِقُرْبِهِمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الّتِي هِيَ أَرْأَسُ وَأَسْلَمُهُ الْأَحْمَرُ ثُمّ الْأَصْفَرُ. وَاَلّذِي إلَى السّوَادِ فَلَا يَفْلِتُ مِنْهُ أَحَدٌ. وَلَمّا كَانَ الطّاعُونُ يَكْثُرُ فِي الْوَبَاءِ وَفِي الْبِلَادِ الْوَبِيئَةِ عَبّرَ عَنْهُ بِالْوَبَاءِ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ الْوَبَاءُ الطّاعُونُ. وَقِيلَ هُوَ كُلّ مَرَضٍ يَعُمّ وَالتّحْقِيقُ أَنّ بَيْنَ الْوَبَاءِ وَبَاءٌ وَلَيْسَ كُلّ وَبَاءٍ طَاعُونًا وَكَذَلِكَ الْأَمْرَاضُ الْعَامّةُ أَعَمّ مِنْ الطّاعُونِ فَإِنّهُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَالطّوَاعِينُ خَرّاجَاتٌ وَقُرُوحٌ وَأَوْرَامٌ رَدِيئَةٌ حَادِثَةٌ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُتَقَدّمِ ذِكْرُهَا.

.آثَارُ الطّاعُونِ:

قُلْت: هَذِهِ الْقُرُوحُ وَالْأَوْرَامُ وَالْجِرَاحَاتُ هِيَ آثَارُ الطّاعُونِ وَلَيْسَتْ نَفْسَهُ وَلَكِنّ الْأَطِبّاءَ لِمَا لَمْ تُدْرِكْ مِنْهُ إلّا الْأَثَرَ الظّاهِرَ جَعَلُوهُ نَفْسَ الطّاعُونِ. وَالطّاعُونُ يُعَبّرُ بِهِ عَنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: هَذَا الْأَثَرُ الظّاهِرُ وَهُوَ الّذِي ذَكَرَهُ الْأَطِبّاءُ.
وَالثّانِي: الْمَوْتُ الْحَادِثُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الصّحِيحِ فِي قَوْلِهِ الطّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ.
وَالثّالِثُ السّبَبُ الْفَاعِلُ لِهَذَا الدّاءِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ أَنّهُ بَقِيّةُ رِجْزٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَوَرَدَ فِيهِ أَنّهُ وَخْزُ الْجِن وَجَاءَ أَنّهُ دَعْوَةُ نَبِيّ.

.بَيَانُ مَا لِلْجِنّ مِنْ تَأْثِيرٍ فِي الطّاعُونِ وَكَيْفِيّةُ دَفْعِهِ:

وَهَذِهِ الْعِلَلُ وَالْأَسْبَابُ لَيْسَ عِنْدَ الْأَطِبّاءِ مَا يَدْفَعُهَا كَمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَدُلّ عَلَيْهَا وَالرّسُلُ تُخْبَرُ بِالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَهَذِهِ الْآثَارُ الّتِي أَدْرَكُوهَا مِنْ أَمْرِ الطّاعُونِ لَيْسَ مَعَهُمْ مَا يَنْفِي أَنْ تَكُونَ بِتَوَسّطِ الْأَرْوَاحِ فَإِنّ تَأْثِيرَ الْأَرْوَاحِ فِي الطّبِيعَةِ وَأَمْرَاضِهَا وَهَلَاكِهَا أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ إلّا مَنْ هُوَ أَجْهَلُ النّاسِ بِالْأَرْوَاحِ وَتَأْثِيرَاتِهَا وَانْفِعَالِ الْأَجْسَامِ وَطَبَائِعِهَا عَنْهَا وَاللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ يَجْعَلُ لِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ تَصَرّفًا فِي أَجْسَامِ بَنِي آدَمَ عِنْدَ حُدُوثِ الْوَبَاءِ وَفَسَادِ الْهَوَاءِ كَمَا يُجْعَلُ لَهَا تَصَرّفًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَوَادّ الرّدِيئَةِ الّتِي تُحْدِثُ لِلنّفُوسِ هَيْئَةً رَدِيئَةً وَلَا سِيّمَا عِنْدَ هَيَجَانِ الدّمِ وَالْمِرّةِ السّوْدَاءِ وَعِنْدَ هَيَجَانِ الْمَنِيّ فَإِنّ الْأَرْوَاحَ الشّيْطَانِيّةَ تَتَمَكّنُ مِنْ فِعْلِهَا بِصَاحِبِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مِنْ الذّكْرِ وَالدّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتّضَرّعِ وَالصّدَقَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنّهُ يَسْتَنْزِلُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْمَلَكِيّةِ مَا يَقْهَرُ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ الْخَبِيثَةَ وَيُبْطِلُ شَرّهَا وَيَدْفَعُ تَأْثِيرَهَا وَقَدْ جَرّبْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا هَذَا مِرَارًا لَا يُحْصِيهَا إلّا اللّهُ وَرَأَيْنَا لِاسْتِنْزَالِ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الطّيّبَةِ وَاسْتِجْلَابِ قُرْبِهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي تَقْوِيَةِ الطّبِيعَةِ وَدَفْعِ الْمَوَادّ الرّدِيئَةِ وَهَذَا يَكُونُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهَا وَتَمَكّنِهَا وَلَا يَكَادُ يَنْخَرِمُ فَمَنْ وَفّقَهُ اللّهُ بَادَرَ عِنْدَ إحْسَاسِهِ بِأَسْبَابِ الشّرّ إلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ الّتِي تَدْفَعُهَا عَنْهُ وَهِيَ لَهُ مِنْ أَنْفَعِ الدّوَاءِ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إنْفَاذَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَغْفَلَ قَلْبَ الْعَبْدِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا وَتَصَوّرِهَا وَإِرَادَتِهَا فَلَا يَشْعُرُ بِهَا وَلَا يُرِيدُهَا لِيَقْضِيَ اللّهُ فِيهِ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا. وَسَنَزِيدُ هَذَا الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى إيضَاحًا وَبَيَانًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التّدَاوِي بِالرّقَى وَالْعُوَذِ النّبَوِيّةِ وَالْأَذْكَارِ وَالدّعَوَاتِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَنُبَيّنُ أَنّ نِسْبَةَ طِبّ الْأَطِبّاءِ إلَى هَذَا الطّبّ النّبَوِيّ كَنِسْبَةِ طِبّ الطّرْقِيّةِ وَالْعَجَائِزِ إلَى طِبّهِمْ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ حُذّاقُهُمْ وَأَئِمّتُهُمْ وَنُبَيّنُ أَنّ الطّبِيعَةَ الْإِنْسَانِيّةَ أَشَدّ شَيْءٍ انْفِعَالًا عَنْ الْأَرْوَاحِ وَأَنّ قُوَى الْعُوَذِ وَالرّقَى وَالدّعَوَاتِ فَوْقَ قُوَى الْأَدْوِيَةِ حَتّى إنّهَا تُبْطِلُ قُوَى السّمُومِ الْقَاتِلَةِ.

.فَسَادُ الْهَوَاءِ جُزْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الطّاعُونِ وَبَيَانُ حَالِهِ فِي الْفُصُولِ:

وَالْمَقْصُودِ أَنّ فَسَادَ الْهَوَاءِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ السّبَبِ التّامّ وَالْعِلّةِ الْفَاعِلَةِ لِلطّاعُونِ فَإِنّ فَسَادَ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الْمُوجِبِ لِحُدُوثِ الْوَبَاءِ وَفَسَادِهِ يَكُونُ لِاسْتِحَالَةِ جَوْهَرِهِ إلَى الرّدَاءَةِ لِغَلَبَةِ إحْدَى الْكَيْفِيّاتِ الرّدِيئَةِ عَلَيْهِ كَالْعُفُونَةِ وَالنّتِنِ وَالسّمَيّةِ فِي أَيّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوْقَاتِ السّنَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ حُدُوثِهِ فِي أَوَاخِرِ الصّيْفِ وَفِي الْخَرِيفِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ اجْتِمَاعِ الْفَضَلَاتِ الْمَرَارِيّةِ الْحَادّةِ وَغَيْرِهَا فِي فَصْلِ الصّيْفِ وَعَدَمِ تَحَلّلِهَا فِي آخِرِهِ وَفِي الْخَرِيفِ لِبَرْدِ الْجَوّ وَرَدْغَةِ الْأَبْخِرَةِ وَالْفَضَلَاتِ الّتِي كَانَتْ تَتَحَلّلُ فِي زَمَنِ الصّيْفِ. فَتَنْحَصِرُ فَتَسْخَنُ وَتُعَفّنُ فَتُحْدِثُ الْأَمْرَاضَ الْعَفِنَةَ وَلَا سِيّمَا إذَا صَادَفَتْ الْبَدَنَ مُسْتَعَدّا قَابِلًا رَهَلًا قَلِيلَ وَأَصَحّ الْفُصُولِ فِيهِ فَصْلُ الرّبِيعِ. قَالَ إِبّقْرَاط: إنّ فِي الْخَرِيفِ أَشَدّ مَا تَكُونُ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَأَقْتَلُ وَأَمّا الرّبِيعُ فَأَصَحّ الْأَوْقَاتِ كُلّهَا وَأَقَلّهَا مَوْتًا وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الصّيَادِلَةِ وَمُجَهّزِي الْمَوْتَى أَنّهُمْ يَسْتَدِينُونَ وَيَتَسَلّفُونَ فِي الرّبِيعِ وَالصّيْفِ عَلَى فَصْلِ الْخَرِيفِ فَهُوَ رَبِيعُهُمْ وَهُمْ أَشْوَقُ شَيْءٍ إلَيْهِ وَأَفْرَحُ بِقُدُومِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ إذَا طَلَعَ النّجْمُ ارْتَفَعَتْ الْعَاهَةُ عَنْ كُلّ بَلَدٍ. وَفُسّرَ بِطُلُوعِ الثّرَيّا وَفُسّرَ بِطُلُوعِ النّبَاتِ زَمَنَ الرّبِيعِ وَمِنْهُ {وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرّحْمَنُ 7] فَإِنّ كَمَالَ طُلُوعِهِ وَتَمَامَهُ يَكُونُ فِي فَصْلِ الرّبِيعِ وَهُوَ الْفَصْلُ الّذِي تَرْتَفِعُ فِيهِ الْآفَاتُ. وَأَمّا الثّرَيّا فَالْأَمْرَاضُ تَكْثُرُ وَقْتَ طُلُوعِهَا مَعَ الْفَجْرِ وَسُقُوطِهَا.
قَالَ التّمِيمِيّ فِي كِتَابِ مَادّةِ الْبَقَاءِ: أَشَدّ أَوْقَاتِ السّنَةِ فَسَادًا وَأَعْظَمُهَا بَلِيّةً عَلَى الْأَجْسَادِ وَقْتَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَقْتُ سُقُوطِ الثّرَيّا لِلْمَغِيبِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَالثّانِي: وَقْتَ طُلُوعِهَا مِنْ الْمَشْرِقِ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ عَلَى الْعَالَمِ بِمَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ وَهُوَ وَقْتُ تَصَرّمٍ فَصْلُ الرّبِيعِ وَانْقِضَائِهِ غَيْرَ أَنّ الْفَسَادَ الْكَائِنَ عِنْدَ طُلُوعِهَا أَقَلّ ضَرَرًا مِنْ الْفَسَادِ الْكَائِنِ عِنْدَ سُقُوطِهَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ يُقَالُ مَا طَلَعَتْ الثّرَيّا وَلَا نَأْتِ إلّا بِعَاهَةٍ فِي النّاسِ وَالْإِبِلِ وَغُرُوبُهَا أَعْوَهُ مِنْ طُلُوعِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ قَوْلٌ ثَالِثٌ- وَلَعَلّهُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِهِ- أَنّ الْمُرَادَ بِالنّجْمِ الثّرَيّا وَبِالْعَاهَةِ الْآفَةُ الّتِي تُلْحِقُ الزّرُوعَ وَالثّمَارَ فِي فَصْلِ الشّتَاءِ وَصَدْرِ فَصْلِ الرّبِيعِ فَحَصَلَ الْأَمْنُ عَلَيْهَا عِنْدَ طُلُوعِ الثّرَيّا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَلِذَلِكَ نَهَى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَيْعِ الثّمَرَةِ وَشِرَائِهَا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا. وَالْمَقْصُودُ الْكَلَامُ عَلَى هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ وُقُوعِ الطّاعُونِ.

.فَصْلٌ: النّهْيُ عَنْ الدّخُولِ إلَى أَرْضِ الطّاعُونِ أَوْ الْخُرُوجِ مِنْهَا:

وَقَدْ جَمَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْأُمّةِ فِي نَهْيِهِ عَنْ الدّخُولِ إلَى الْأَرْضِ الّتِي هُوَ بِهَا وَنَهْيهِ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا بَعْدَ وُقُوعِهِ كَمَالِ التّحَرّزِ مِنْهُ فَإِنّ فِي الدّخُولِ فِي الْأَرْضِ الّتِي هُوَ بِهَا تَعَرّضًا لِلْبَلَاءِ وَمُوَافَاةً لَهُ فِي مَحَلّ سُلْطَانِهِ وَإِعَانَةً لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشّرْعِ وَالْعَقْلِ بَلْ تَجَنّبُ الدّخُولِ إلَى أَرْضِهِ مِنْ بَابِ الْحِمْيَةِ الّتِي أَرْشَدَ اللّهُ سُبْحَانَهُ إلَيْهَا وَهِيَ حَمِيّةٌ عَنْ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَهْوِيَةِ الْمُؤْذِيَةِ.

.مَعْنَى النّهْيِ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ:

وَأَمّا نَهْيُهُ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ بَلَدِهِ فَفِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: حَمْلُ النّفُوسِ عَلَى الثّقَةِ بِاَللّهِ وَالتّوَكّلِ عَلَيْهِ وَالصّبْرِ عَلَى أَقْضِيَتِهِ وَالرّضَى بِهَا.

.يَجِبُ عَلَى الْمَطْعُونِ السّكُونُ وَالدّعَةُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلسّفَرِ:

وَالثّانِي: مَا قَالَهُ أَئِمّةُ الطّبّ: أَنّهُ يَجِبُ عَلَى كُلّ مُحْتَرِزٍ مِنْ الْوَبَاءِ أَنْ يُخْرِجَ الرّيَاضَةَ وَالْحُمَامَ فَإِنّهُمَا مِمّا يَجِبُ أَنْ يُحْذَرَا لِأَنّ الْبَدَنَ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ فَضْلٍ رَدِيءٍ كَامِنٍ فِيهِ فَتُثِيرُهُ الرّيَاضَةُ وَالْحُمَامُ وَيَخْلِطَانِهِ بالكيموس الْجَيّدِ وَذَلِكَ يَجْلِبُ عِلّةً عَظِيمَةً بَلْ يَجِبُ عِنْدَ وُقُوعِ الطّاعُونِ السّكُونُ وَالدّعَةُ وَتَسْكِينُ هَيَجَانِ الْأَخْلَاطِ وَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ أَرْضِ الْوَبَاءِ وَالسّفَرِ مِنْهَا إلّا بِحَرَكَةٍ شَدِيدَةٍ وَهِيَ مُضِرّةٌ جِدّا هَذَا كَلَامُ أَفْضَلِ الْأَطِبّاءِ الْمُتَأَخّرِينَ فَظَهَرَ الْمَعْنَى الطّبّيّ مِنْ الْحَدِيثِ النّبَوِيّ وَمَا فِيهِ مِنْ عِلَاجِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَصَلَاحِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ فَفِي قَوْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ مَا يُبْطِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى الّذِي ذَكَرْتُمُوهُ وَأَنّهُ لَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ وَلَا يُحْبَسُ مُسَافِرًا عَنْ سَفَرِهِ؟ قِيلَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ طَبِيبٌ وَلَا غَيْرُهُ إنّ النّاسَ يَتْرُكُونَ حَرَكَاتِهِمْ عِنْدَ الطّوَاعِينِ وَيَصِيرُونَ بِمَنْزِلَةِ الْجَمَادَاتِ وَإِنّمَا يَنْبَغِي فِيهِ التّقَلّلُ مِنْ الْحَرَكَةِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَالْفَارّ مِنْهُ لَا مُوجِبَ لِحَرَكَتِهِ إلّا مُجَرّدَ الْفِرَارِ مِنْهُ وَدَعَتُهُ وَسُكُونُهُ أَنْفَعُ لِقَلْبِهِ وَبَدَنِهِ وَأَقْرَبُ إلَى تَوَكّلِهِ عَلَى اللّهِ تَعَالَى وَاسْتِسْلَامِهِ لِقَضَائِهِ. وَأَمّا مَنْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْحَرَكَةِ كَالصّنّاعِ وَالْأُجَرَاءِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْبُرُدِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ اُتْرُكُوا حَرَكَاتِكُمْ جُمْلَةً وَإِنْ أُمِرُوا أَنْ يَتْرُكُوا مِنْهَا مَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَيْهِ كَحَرَكَةِ الْمُسَافِرِ فَارّا مِنْهُ وَاللّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.حُكْمُ الْمَنْعِ مِنْ الدّخُولِ:

وَفِي الْمَنْعِ مِنْ الدّخُولِ إلَى الْأَرْضِ الّتِي قَدْ وَقَعَ بِهَا عِدّةُ حِكَمٍ:
أَحَدُهَا: تَجَنّبُ الْأَسْبَابِ الْمُؤْذِيَةِ وَالْبُعْدُ مِنْهَا.
الثّانِي: الْأَخْذُ بِالْعَافِيَةِ الّتِي هِيَ مَادّةُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ.
الثّالِثُ أَنْ لَا يَسْتَنْشِقُوا الْهَوَاءَ الّذِي قَدْ عَفِنَ وَفَسَدَ فَيَمْرَضُونَ. بِمُجَاوَرَتِهِمْ مِنْ جِنْسِ أَمْرَاضِهِمْ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَرْفُوعًا: إنّ مِنْ الْقَرَفِ التّلَفَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْقَرَفُ مُدَانَاةُ الْوَبَاءِ وَمُدَانَاةُ الْمَرْضَى.

.حَمِيّةُ النّفُوسِ عَنْ الْعَدْوَى وَالطّيَرَةِ:

الْخَامِسُ حَمِيّةُ النّفُوسِ عَنْ الطّيَرَةِ وَالْعَدْوَى فَإِنّهَا تَتَأَثّرُ بِهِمَا فَإِنّ الطّيَرَةَ عَلَى مَنْ تَطَيّرَ بِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي النّهْيِ عَنْ الدّخُولِ فِي أَرْضِهِ الْأَمْرُ بِالْحَذَرِ وَالْحِمْيَةِ وَالنّهْيِ عَنْ التّعَرّضِ لِأَسْبَابِ التّلَفِ. وَفِي النّهْيِ عَنْ الْفِرَارِ مِنْهُ الْأَمْرُ بِالتّوَكّلِ وَالتّسْلِيمِ وَالتّفْوِيضِ فَالْأَوّلُ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ وَالثّانِي: تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ.

.قِصّةُ عُمَرَ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْ دُخُولِ الشّامِ لِوُقُوعِ الطّاعُونِ بِهَا:

وَفِي الصّحِيحِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ خَرَجَ إلَى الشّامِ حَتّى إذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشّامِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ لِابْنِ عَبّاسٍ اُدْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ قَالَ فَدَعَوْتهمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشّامِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ فَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ مَعَك بَقِيّةُ النّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ عُمَرُ ارْتَفَعُوا عَنّي ثُمّ قَالَ اُدْعُ لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنّي ثُمّ قَالَ اُدْعُ لِي مِنْ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ قَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَأَذِنَ عُمَرُ فِي النّاسِ إنّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبَحُوا عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفِرَارًا مَنْ قَدَرِ اللّهِ تَعَالَى؟ قَالَ لَوْ غَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرّ مِنْ قَدَرِ اللّهِ تَعَالَى إلَى قَدَرِ اللّهِ كَانَ لَك إبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إحْدَاهُمَا- خِصْبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَسْت إنْ رَعَيْتهَا الْخِصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللّهِ تَعَالَى وَإِنْ رَعَيْتهَا الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللّهِ تَعَالَى؟ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيّبًا فِي بَعْضِ حَاجَاتِهِ فَقَالَ إنّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ.